بعد تهجير سكان داريا، وفرض اتفاق مماثل على أهالي معضمية الشام بريف دمشق، تشير المعطيات إلى أن الهدف التالي لقوات النظام هو مخيم خان الشيح الواقع إلى الغرب من المعضمية، والذي يعتبر مع منطقة زاكية، آخر معاقل المعارضة السورية المسلحة في الغوطة الغربية.
ويقع مخيم خان الشيح على بعد 27 كلم إلى الغرب من العاصمة دمشق. وقد وفدت الدفعات الأولى من اللاجئين الفلسطينيين إلى تلك المنطقة بعد نكبة 1948، وتأسس المخيم عام 1949 فوق مساحة من الأرض تبلغ نحو 69 دونماً.
وكان يقيم في المخيم قبل انطلاق الثورة السورية نحو 25 ألف شخص، جلهم من الفلسطينيين، بقي منهم اليوم بين 10 و12 ألف شخص.
وبعد الثورة، شهدت المناطق القريبة منه، مثل المعضمية وداريا وزاكية مظاهرات مناوئة للنظام، لكن المخيم نفسه ظل بمنأى عن ذلك. ومع التحول إلى العسكرة، استقبل المخيم نازحين من المناطق المجاورة، ومن التجمعات الفلسطينية التي شهدت قصفاً وعمليات قتالية مثل اليرموك والسبينة والحجر الأسود.
وبلغ وصول النازحين ذروته منتصف عام 2012 ليصل عددهم إلى نحو خمسين ألف شخص، جرى استيعابهم في المدارس والبيوت والمزارع.
هذا الدور الإنساني للمخيم لم يرق لقوات النظام التي دخلت إلى المخيم عبر نصب حاجز وتمركز دبابات وجنود وسط شارعه الرئيسي، فيما كانت بعض المناطق المجاورة تشهد بدايات نشاط عسكري لقوى المعارضة، وجرت مهاجمة بعض نقاط جيش النظام.
ومع مطلع عام 2013، وبعد تصاعد عمليات المعارضة المسلحة، انسحب جيش النظام من المخيم، وأغلق طريق خان الشيح - دمشق، واستعاض عنه السكان بطريق أوتوستراد السلام الموازي، قبل أن يغلقه النظام هو الآخر قبل نحو عامين ونصف العام.
واستعاض الأهالي بطريق فرعي طويل وخطر وهو طريق زاكية، والذي يتعرض كل من يسلكه إلى خطر القصف والقنص، ما تسبب بضائقة إنسانية في المخيم، ونقص كبير في كل الاحتياجات الأساسية. وذلك تزامناً مع قطع الخدمات الأساسية عن المخيم والمزارع المحيطة به من كهرباء وأدوية واتصالات وقود، فيما دمرت دبابة خزانات المياه ونبع الماء المحلي الذي يعتمد عليه الأهالي في الحصول على المياه العذبة.
ولم تتوقف قوات النظام عند هذا الحد، فبدأت حملة عسكرية لإجبار الأهالي على الخضوع، عبر حملات قصف شبه يومية بالطائرات والبراميل المتفجرة والمدفعية والدبابات والصواريخ، وانضمت إليها أخيرا الطائرات الروسية، إذ سقط مئات الضحايا خلال الأشهر الماضية.
ومنذ نيسان/ إبريل الماضي، أحكمت قوات النظام قبضتها على طريق زاكية لتقطع آخر شريان للمنطقة، وتحكم الحصار على المخيم والمناطق المحيطة به، فلجأ الأهالي إلى سلوك طريق ترابية فرعية أخرى أكثر خطورة من الطريق السابقة.
وقد تسبب القصف المكثف، وتدمير البنى التحتية في المخيم، في هجرة معظم سكان المخيم والوافدين إليه، اعتباراً من الأشهر الأولى لعام 2013، إذ يعيش فيه اليوم ما بين 10 و12 ألف شخص فقط.
ويثير هذا الاستهداف المبالغ فيه للمخيم المحدود المساحة والخالي من الوجود المسلح، إذ تنتشر فصائل المعارضة على أطرافه، وهو قليل الأهمية من الناحية العسكرية، وما تسبب فيه من دمار هائل لمنازله وبنيته التحتية، تساؤلات حول الهدف الحقيقي من القصف.
ويرجح ناشطون، في هذا السياق، أن يكون الهدف تفريغ المخيم من سكانه، وتهديمه نهائياً، في إطار خطط لإنهاء الوجود الفلسطيني في سورية، وإحلال مجموعات أخرى مكانه تساند النظام على أساس طائفي، فضلاً عن إرضاء إسرائيل التي من بين ما يهمها في التطورات السورية إبعاد التجمعات الفلسطينية القريبة، حيث لا يبعد مخيم خان الشيح أكثر من 60 كلم عن فلسطين المحتلة.
وطالب المجلس المحلي في خان الشيح، في بيان، بـ"إيقاف القصف الذي يستهدف المخيم، وإدخال المساعدات الإنسانية إليه"، مشيراً إلى أن "القصف على المخيم ومحيطه يتصاعد، بالرغم من إعلان الفصائل العسكرية في المنطقة عن عدم وجود أي عنصر لها في المخيم".
وأوضح المجلس أن "القصف استهدف أيضاً الطريق الفرعية الوحيدة للمخيم، والتي سميت بطريق الموت نظراً لمقتل عدد من أبناء المخيم عند محاولتهم إدخال المواد الغذائية".
وتشير معطيات مجموعة "العمل من أجل فلسطينيي سورية" إلى أن نحو 180 شخصاً من أبناء المخيم قتلوا خلال الثورة السورية، بينما يقبع مئات آخرون في سجون النظام.
المصدر: العربي الجديد - عدنان علي
↧