يُحكى أنّه في إحدى الحظائر تمّ فصلُ الأبقار عن الثيران بسياجٍ من الأسلاك الشّائكة بغرض التلقيح في وقتٍ معيّن! فجاء أحدُ الثّيران وقد هاجتْ غريزته يسأل عن كيفية عبور السّياج الشّائك للوصول إلى المحبوبات! فدلّوه على ثورٍ كبيرٍ يجلسُ بعيداً اسمه الاستشاريّ، فذهبَ إليه مستنصحاً!
فقال له الاستشاريّ: ابتعدْ عن السّياج مسافةً لا تقلّ عن مئة متر، واركضْ بسرعةٍ لا تقلّ عن سبعين كلم/س، واقفزْ بزاويةٍ لا تقلّ عن ستين درجة! ثم اقضِ حاجتك وارجعْ بنفس الطريقة!
فقال له الثور الهائج: ماذا إن أخطأتُ في الحسابات، كالمسافة أو السّرعة أو القفز؟
قال له الاستشاري: سوف تخسر أعضاءك التناسلية في السّياج الشائك!
فقال له صاحبنا: وماذا أفعلُ بالحياة بعد ذلك؟!
فقال له: تصبحُ استشارياً!
تُذكّرني هذه الحكاية بمنظّري التنمية البشريّة! والحكايا، كالأمثال بعموم اللفظ لا بخصوص السبب! والمُراد منها مغزاها لا ألفاظها، والنّاس أكرم من أن يُنعتوا بما ورد!
المهمُّ أنّي لستُ على وئامٍ مع التّنظير والمنظّرين، لا لأني لا أؤمن بسطوة الكلمة، على العكس تماماً فالإسلام احتاج شعر حسّان بن ثابت كما احتاج سيف خالد بن الوليد رضي الله عن الجميع! ولا لأنّي لا أُقدّر النصح والإبلاغ، على العكس تماماً أيضاً، فرُبّ مبلّغٍ أوعى من سامع كما قال سيّدنا صلى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع! ولكنّي إنسانٌ واقعيّ لا أحبُّ بناء قصورٍ في الهواء!
عندما تحدثني كيف أحافظ على زوجتي ثمّ أعرف أنك طلقتَ مرتين يتحوّل الأمر من نُبل إلى نكتة! |
التّنظير سهل ولكنّ الحياة ليست كذلك!
واجتياز البحر على الخارطة ليس كاجتيازه في مركب! ومنظرو التنمية البشريّة يريدونك أن تعبر البحر وكأنّك من الحواريين بإمكانك أن تمشي على الماء! في حين أننا في الواقع البحر أمامنا، وفرعون وراءنا، ولا موسى ليشقّ البحر بعصاه!
منذ سنواتٍ شاهدتُ
حلقةً بعنوان برّاق "كيف تُكوّن ثروة ضخمة!".. يقدّمها خبير عرفتُ فيما بعد أنه منتوف مثلي وليس لديه ثروة ضخمة!.. الأمرُ يشبه إلى حدّ بعيد صاحب عطارة أعرفه، يُركّب خلطات للتنحيف وكرشه متر أمامه!.. وكطبيب المحافظة على الشّعر الذي قصده صديق لي أرّقه تساقط شعره فوجده أصلع!
طبعاً مساعدة الآخرين على تخطي مشاكلهم المالية والصّلاعية والزوجية أمرٌ نبيل، ولكن عندما تحدثني كيف أحافظ على زوجتي ثمّ أعرف أنك طلقتَ مرتين يتحوّل الأمر من نُبل إلى نكتة! وينطبق عليك قول شاعرنا:
كالعيس في البيداء يقلها الظما
والماءُ فوق ظهورها محمولُ!
تماماً كما
ألّف ديل كارنجي كتابه الشهير "دع القلق وابدأ الحياة" ثمّ بعد ذلك شنقَ نفسه! الطريفُ أنّ الكتاب ما زال من أكثر الكتب مبيعاً!
بالمناسبة أنا لا أسخر من أحد، وأعرف أن كلمة بإمكانها أن تُغيّر حياة إنسان، وأعرف أنه من الممكن أن يملك المرء نصيحة حلوة لا يمكنه هو تطبيقها، لأنّ الحياة قد تضعنا في ظروف زفت أحياناً! فلا تكفوا عن منح النّاس البهجة! كما حدث في قصة المضحك الباكي التي درسناها ونحن صغار، والقصة باختصار أنّ مريضاً جاء إلى طبيب يشكو إليه وهناً في جسده، وبعد فحوصات مخبرية وتحاليل، قال له الطبيب: من المؤكد عندي أنك لا تعاني شيئاً عضوياً، وعلى الأرجح أن مشكلتك نفسيّة، جرّب أن تخرج للحياة وتفعل أشياء جديدة، سمعتُ أنّ في المدينة مهرجاً يقفزُ المتفرجون من مقاعدهم لخفة دمه، ما رأيك أن تذهب وتتفرج عليه؟!.. فقال له المريض بعينين دامعتين:
أنا ذاك المهرّج يا سيدي!
اسدوا النصائح للنّاس، أخبروهم كيف يُحافظون على زوجاتهم ولو طلقتكم زوجاتكم! وساعدوهم على أن ينحفوا ولو تدلّت كروشكم أمامكم! أخبروهم كيف يصبحون أغنياء ولو كنتم تستحقون الزكاة! ولكن بالله عليكم كونوا واقعيين!