منذ فترة ليست بالبعيدة جرى حوار بيني وبين صديق علوي معارض، أراد النصيحة حول برنامج تلفزيوني وصف هدفه بأنه حوار بين الأقليات والأكثرية في سوريا، من وجهة نظري التلفزيونية وبعيداً عن مذهبي قلت له إن البرنامج لن يلقى النجاح لأسباب عدة، لعل أبرزها هو مصداقية المحتوى، فلكي تحاور باسم فئة ما، أقلية كانت أو أكثرية يجب أن تعبر عنها بداية، أو عن تيار واسع فيها، ومع الأسف فإن المعارضين من الأقليات يستحقون لقب أقلية الأقلية بجدارة، بالتالي ليسوا بمكان يستطيعون فيه خوض جدل مفيد، وهذا ليس تجنياً أو انتقاداً بل الواقع والحقيقة لا أستطيع إلا أن أتعاطف مع أقلية الأقلية فهم بموقف غير محسودين عليه، لا هم مقبولون من مللهم ولا مقبولون من الطرف الآخر بل مشكوك بأمرهم.
عود على بدء وسؤال الصديق لي، كانت نصيحتي قبل أن تخاطب الأغلبية أو لنقل الآخر! لماذا لا تبدأ بالحوار الداخلي، حوار بين الأقليات لأن القفز على المشاكل لا يحلها، واختصارها بأنه مشكلة مع الآخر لن يفيد بالتالي تلفزيونياً لن ينجح إلا في حال ركز على الجدل دون نتائجه، وكان هدفه الإثارة على مبدأ "Show" تلفزيوني، وبذلك سيتحول إلى اتجاه معاكس آخر وهذا ملعب لن تستطيع المنافسة فيه بوجود نجمه الأستاذ فيصل القاسم، أخبرت صديقي أن قاعدة نجاح البرامج التلفزيونية التي لا تخطئ هي الصدق وعدم الادعاء، لذا دفن الرأس بالرمال وحرق المراحل بالهرولة لحوار بين الأقليات والسنة في سوريا لن يفيد، ما دام هناك أسئلة مستحقة عن موقف التيار العام من الأقليات تجاه ما يجرى في البلاد، هناك أسئلة محقة عن الدوافع وراء اصطفاف بعكس تيار الإنسانية.
إن أردنا النجاة في سوريا لا بد من المواجهة والمواجهة الداخلية أولاً، وهنا ربما المهمة الشبه مستحيلة لأقلية الأقليات المعارضة، مهمة تحريك الماء الراكد العفن في البيت الداخلي، مواجهة الواقع والأسئلة على الأقل لا الهروب منها، وهنا يحضرني ما حصل في الأيام الأخيرة الماضية من ردود فعل على مادة نشرت على موقع الأورينت حول استنكار اسرائيلي لموقف دروز اسرائيل من الثورة السورية، في هذه المادة تحديداً حصل ما يتمناه أي صحفي، حالة جدلية بين ناقد ومؤيد، ولكن مع الأسف فالجدل الذي دار كأنه لم يدر، لأنه ابتعد عن الأسئلة المحقة وانتهى لدفاع عن الدروز بشكل عام أو هجوم عليهم بشكل خاص، بينما وردت بين هذا وذاك أسئلة لم تلق جواباً، أطرح على سبيل المثال ما أورده أحد المعلقين لدى صفحة الصديق العزيز ماهر شرف الدين، كتب المعلق أن من حق الدروز العتب على أي وسيلة إعلامية تعمم، ولكن بدل العتب لماذا لا يتم البحث في تراجع الطائفة الدرزية من مركز القيادة الثورية في القرن العشرين، إلي مجرد أكثرية حيادية وأقلية ثورية، لماذا تم اختزال المشهد الدرزي بمعظمه بشخص كوفيق ناصر؟ سؤال ضاع بفزعة انتهت بتبويس شوارب وادعاء ما كان وكأنه لم يكن ولكن السؤال سيبقى ويطفو على السطح أمام أصغر هزة مستقبلية، لأنه أساسي.
وكم كنت أتمنى على الصديق الشجاع ماهر شرف الدين، أن يحرك الماء الراكد وبإلحاح ويواجه الأسئلة ويوجهها للبيت الداخلي، فجواب البيت الداخلي هو تلقائياً الجواب الذي يؤسس لغد أفضل أو أسوأ مع الأغلبية.
المثال هنا كان درزياً، ولكن الحالة عمومية، سورية بشكل عام وخاصة بين الطوائف في سوريا، الحوار الداخلي المفقود والمراجعة المنقوصة واللعب في هوامش ضيقة لن تسمح بتغيير حقيقي بل فقط تزيد الوضع سوءاً، فالمعارض من الأقليات عندما يواجه ما يعتبره هجوماً وتعميماً على طائفته، وينتهي بأن يفزع لها، يضع نفسه بين نارين أو ثلاثة، أكثرها ضرراً نار الاختباء من الأسئلة المحقة، وعندما لا يفعل لن تعترف به الغالبية السنية وإذا فعل ستنبذه طائفته ولكن المعضلة أنه منبوذ أساساً من تيارها العام، ألم أقل لكم موقف المعارضين من الأقليات موقف لا يحسدون عليه، ولكنهم بنفس الوقت النواة وقارب النجاة لطوائفهم وللآخرين وهم في حالة سوريا السنة.
وبغض النظر عن أقليات وغالبية، فجميعاً إن أردنا النجاة لا بد لنا من هذه المواجهة أو النقد الذاتي وحوار أهل البيت سينقذنا من مرحلة الإنكار، وهي أولى المراحل التي يمر بها مريض ما، ولن يصل لعتبة النجاة ما لم يتجاوزها بمواجهة الواقع، هذه المراجعة واجبة على الجميع ولكن في المقتلة السورية هي واجبة على الأقليات أكثر منها على الغالبية السنية في هذه المرحلة تحديداً، على عكس ما يوهمهم به المجتمع الدولي، هذا ليس استثناء للسنة فلأنهم الغالبية مراجعاتهم هي التي ستحدد مصيرنا ومصير سوريا إن بقيت سوريا على الخارطة، ولكن السياق الحدثي والظرفي ووجود السنة بمرمى النار، تحت وقع البراميل، الضغط الدولي لا يتيح لهم رفاهية التفكير هم في حرب البقاء، في معركة ولا صوت يعلو على صوت السلاح.
وحتى مع الظرف السني الصعب، الحوار المطلوب من الأقليات هو في الحقيقة جار بين الفئات السنية، ويقول البعض منهم يا ليتنا على قلب رجل واحد كما الطوائف، ولكن بعيد النظر سيعرف أن الاختلاف بين السنة خيرٌ، فهذا مع جيش حر وآخر مع جيش الإسلام وذاك نصرة ومنهم تدعشنوا ومنهم من يريدها إسلامية وآخرون يريدونها علمانية !! غالبية السنة مختلفة التوجهات وإن كانت في صف واحد ضد النظام وهذا ما سيأهلهم في مرحلة قادمة للتصالح مع الاختلاف الداخلي بداية، والخارجي تالياً.
أما التيار العام لدي الأقليات، ورغم المخاطر التي تهدد وجوده فمستغرب أن يقف ضد غالبية البلاد، مع نظام قاتل، حياد أو علنية، رمادية أو مجاهرة، الشارع العريض من الأقليات يجب أن يجيب على سؤال المليون: لماذا؟.
ولن تكفي شخصيات قلة من هذه الطائفة أو تلك أن تقف الموقف الصحيح، وكيف له أن يكفي مادام في المقلب الآخر مئات الآلاف من السنة قتلوا على مرأى الجميع، ولأن الطرح ليس جديداً فسأتوقع الآن وفي هذه اللحظة أن أحدهم سيقول "يا سلام على أساس مافي بالسنة شبيحة"، نعم وأشهد وأبصم، هناك من السنة قتلة، ولكن التيار العام واضح المعالم ويدفع الثمن على مدار الدقيقة .
الأقليات في سوريا يغامرون بإضاعة وقت ثمين، الآن لديهم رفاهية التفكير، مناطقهم آمنة "نسبياً" بالمقارنة مع المناطق السنية، هم في جنة عدن بمقاييس نظام الأسد، التهديد الذي يطالهم أقل ولا أنفي صعوبة ظروفهم، ولكن لتفكر عليك أن تنعم بقسط من الهدوء وهو ما يتمتعون به، خاصة أن المطلوب بداية هو حوار داخلي، وعلى الجهة الأخرى لكي نعرف موقف السنة ومراجعاتهم علينا أن ننتظر نجاتهم بداية من الموت، وهذا أمر لا يقتصر على السنة في سوريا، هذا على المستوى الإنساني، فجملة نيلسون مانديلا الشهيرة "نسامح ولكن لا ننسى" جملة مرجعية يستشهد فيها الكثيرون على أهمية المسامحة والمصالحة والسمو عن الضغائن، ومن هؤلاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري نفسه، إلا أنه وغيره يتناسون متى قالها مانديلا!! قالها في لحظة انتصاره في لحظة أمانه، في لحظة ضمن فيها البقاء ليوم جديد بلا تهديد ففكر!!
أما الأقليات في سوريا فاختبائهم من مواجهة واقعهم، سيقودنا وهم إلى شرخ كارثي، وبالمناسبة ووفاء للفكرة ذاتها بمواجهة الواقع، الشرخ حصل فعلياً، ولكي لا نضحك على أنفسنا مرة جديدة فالتعويل لترميم الشرخ قائم على الرغبة في الحياة والاستمرار فيها، على رغبة أب أيا كان أن يرسل أولاده للجامعة، على رغبة أم أياً كانت أن تزغرد في عرس ابنتها، على الرغبة في الحياة لنا جميعاً، لا على شعارات "الكنيسة تعانق الجامع" وما شابه فهذه الشعارات أثبتت بطلانها، تخندقنا والذي كان كان، ولا هوية جامعة بيننا، إلا أن قدرنا أن نجتمع في هذه البقعة التي أسمها سوريا.
لن يختفي أحد من سوريا وسنبقى فيها جميعاً، ومن أجل مستقبل يليق، الإجابة واجبة على الأسئلة داخلياً ضمن الفريق الواحد من نحن بداية ؟ ومن الآخر ثانياً؟.
↧